نظرت إلي زهرتها المفضلة .. لمستها بيد حانية .. لثمتها .. فتسربت إلي رئتيها نفحات طيبها و عطرها .. لقد تفتحت تماماً .. إنها باكورة ورودها جورية قانية تنبض فيها دماء الحياة , و ينضج فيها عنفوان الشباب .. سقتها بلطف .. ألرشفتها كأم حنون . في الصباح التالي .. أسرعت إليها .. تتلهف إلي قطرات نداها , و طيب شذاها , فإذا بها ذابلة , تساقطت أورقها الحمراء كأشرعة سفينة غارقة و انحنى عودها الأخضر يلفظ آخر أنفاس الحياة .. ألم اعتصر قلبها و كأنها فقدت عزيزاً قريباً , مدت يدها تتلمس أوراقها الميتة فإذا بها تلمس غصناً غضاً طرياً .. يمد رأسه بقوة من بين التراب .. كأنه يتحدى الموت و يثبت أقدامه فوق أرض الحياة , يحمل بين أوراقه الصغيرة برعماً صغيراً يشبه وردتها الميتة . امتدت يدها إلي بطنها , تتلمس جنينها المنتظر , كما امتدت يدها الثانية ترشق برعمها الصغير بحبات من الماء . طرقات خيفة فوق باب الحديقة .. من سيكون الطارق في هذا الصباح الباكر ؟؟ أمي .. يا صباح الخير و السعد .. مفاجأة حلوة . لقد صح توقعي يا ابنتي .. أنت في الحديقة و بالقرب من زهرتك الأثية !! أوه يا أمي .. لقد ماتت !! و لكن انظري .. برعم صغير يتفتح من بين أغصانها الميتة !!. ابتسمت الأم و قالت : إن للحياة وجهان .. لم تفهم سارة ما تعني أمها أخذت بيدها .. عانقتها .. دخلت المنزل .. بينما امتدت يد الأم تتلمس بطن ابنتها و تبارك لها في جنينها المنتظر . آه يا سارة .. عندي لك مفاجأت كثيرة .. حين تضعين مولودك الأول !! ما هي يا أمي .. أخبريني أرجوك .. لن أخبرك .. إنها مفاجأة .. فأنت وحيدتي و هذا حفيدي الأول . سوغ أحضر له .. لا .. لا لن أقول لك لا تحاولي .. ضحكت سارة .. قبلت جبين أمها و يدها .. يدك باردة يا أمي .. باردة جداً لحظات و كأس من الشاي مع قطع من الحلوى ستكون بين يديك . تلمست سارة يدي أمها من جديد .. إنهما باردتان .. علتهما صفرة غير معهودة .. مابك يا أمي ؟؟ أراني متعبة هذه الأيام .. ضغط الدم على غير عادته !! و لكن لا تخافي يا سارة لن أمرض هذه الأيام .. فأنا بانتظار حفيدي الغالي , و لن أتركك تضعين مولودك و حيدة .. سأكون جانبك في المستشفى .. سأكون أول من يراه حين يفد إلي هذه الدنيا و دعت ابنتها , و قبل أن تخرج تلمست جنبها من جديد .. بالسلامة يا رب .. أخبريني بالهاتف عندما تشعرين بآلام الولادة أخبريني مباشرة .. إياك ألا تفعلي !!. ليل سارة طويل .. تحمل جنبيها وهناً على وهن .. و لكن كلما أحست رعشتها القوية نسيت قسوة المعاناة .. آلام جادة .. أدركت سارة أنها آلام المخاض .. و أن جنينها يدق أعتاب الحياة , فتلذذت طعم الألم , صرخت تنادي زوجها .. آلامي تزداد .. هيا إلي المستشفى !! أرجوك اتصل بأمي !! أسرع بها .. حملها في سيارته .. تمنى لو يشاطرها ألمها .. يد حول المقود و يد ثانية تمسح جبينها و تجفف عرقها .. لا بأس يا عزيزتي , ساعات قليلة و تقومين بالسلامة مع ضيفنا الغالي المنتظر .. ارتسم على شفتيها طيف ابتسامة , حين تذكرت مولدها .. و لكن آلامها تزداد .. فجأة قالت : أمي .. أحتاج أمي .. هل أخبرتها يا ناصر كي تلحق بنا إلي المستشفى ؟ وجم برهة .. نظرة كسيرة تجمدت في عينيه .. ثم قال : أمك في المستشفى يا سارة لقد سبقتنا إليه .. سبحان الله .. قلب الأم دليلها .. و لكن كيف عرفت أنني على وشك الولادة ؟؟. إنها .. إنها مريضة !! ما الذي أصابها ؟؟. لا تخافي يا سارة وكة بسيطة .. تجمدت ملامح وجهها , كما تجمدت الآلام في رحمها .. دخلت المستشفى يقودها زوجها .. لا تدري إلي أين .. ممرات طويلة .. روائح مميزة .. أشخاص عديدة ترتدي اللون الأبيض .. هذا اللون المتعدد الوجوه و الذي يذكرها بلون ثوب الزفاف .. و بلون الكفن !! تقدمت منها ممرضة أنيقة .. قدمت إليها عربة لنقل المرضى , خاطبتها بلهجة هجين قائلة لها : اجلسي "مدام" .. دفعت العربة بقوة .. لا .. لا أريدها .. أريد أمي .. أين أمي ؟؟ أريد أن أرى وجه أمي .. أمسك بها مهدئاً .. أخذها عبر ممرات طويلة إلي جناح بعيد .. نسيت آلامها أسرعت في سيرها .. الممرضة تلاحقها بالعربة , وصلت .. قرأت اسم الجناح .. "العناية المركزة" خفق قلبها بشدة .. أحست به يهوى من بين ضلوعها .. كما خفق جنينها و زادت ضرباته .. يريد أن يبصر نور الحياة . دخلت غرفة أمها مرتاعة .. أصوات تنادي خلفها : ممنوع .. ممنوع و صوتها يتحدى جميع الأصوات .. أمي .. أمي .. أجهزة أنابيب .. أكسجين .. أسوار عديدة تفصلها عن عناق أحب الناس إليها مدت سارة رأسها من بين تلك الجواجز .. حتى وصلت إلي يد أمها .. أنها ما تزال باردة .. بل إنها جامدة .. قبلتها بشدة .. شقت الأم طرف عينها بصعوبة .. نظرتها تعانق ابنتها كأنها تودعها .. ألم قوي لا يحتمل يحيط بسارة من كل جانب .. صرخت دون إردادة منها .. فتحركت شفتا الأم الجامدتان تتعثران بصوت ضعيف : ستقومين بالسلامة إن شاء الله يا سارة ... ثم تابعت بصوت متقطع : ألم أقل لك بأنني سأكون إلي جانبك في المستشفى !! ألم أقل لك : إن للحياة وجهان ثم فجأة سكنت ملامح وجهها إلي الأبد .. لفظت آخر أنفاسها بينما ظلت عيناها جامدتان في وجه ابنتها !! صرخات جديدة .. آلام لا تطاق .. امتزجت آلام سارة و تلونت .. لحظات وجدت نفسها في غرفة الولادة .. آلام شديدة تمخضت عنها حياة .. تساءلت ترى هل آلامي أشد أم آلام أمي وهي تودع الحياة !! صرخة أخيرة !! تلتها أصداء حياة .. بكاء وليد جديد قادم , تراه يعلن للعالم قدومه ؟؟ أم ينعي الحياة بوجهيها ؟؟ نظرت إليه سارة عانقته بعينيها .. ثم ضمته بين ذراعيها إنه دافيء .. فيه حرارة الحياة .. الآن فقط فهمت ما عنته أمها ...
توقيــع العضو فيــرو
موضوع: رد: علمتنا الحياة الأحد 18 أبريل 2010, 11:04 pm
شكرا فييرو عاشت ايدك
توقيــع العضو zoba
موضوع: رد: علمتنا الحياة الإثنين 19 أبريل 2010, 9:46 pm
العفووو منورة بمرورج العطر
توقيــع العضو فيــرو
موضوع: رد: علمتنا الحياة الأربعاء 28 أبريل 2010, 5:10 am
توقيــع العضو Rasti
موضوع: رد: علمتنا الحياة السبت 15 مايو 2010, 4:37 am
شكرا اخي ع القصة تسلم ايدكتحياتي
توقيــع العضو مدينةالحب
موضوع: رد: علمتنا الحياة الجمعة 25 يونيو 2010, 1:12 pm