العاب وحكايات وصلوات تؤكد انتماءهم لها
تركمان اربيل استقبلوا شهر الصوم بالغبطة والفرح والموائد العامرة




يستقبل العالم ألأسلامي بقلوب مشرقة بألأيمان وضاءة بألأمل هذا الشهر الفضيل, شاكرين الله على فضله وأنعامه أن أعاده عليهم بأنوار رحمانية وفيوضات ربانية، وجعله في جبين الدهر درة ألأزمان وشمس المعرفة وعيد الهداية ألألهية وفاتحة خير للبشرية.
أختار الله تعالى صيام رمضان من دون الشهور لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وأحيا به نفوسهم وأخرجهم من ظلمات الجهل الى نور المعرفة، نظام يتناول حياة المسلم وأخلاقه بالتهذيب ويتعهد بدنه وروحه بالعلاج والتطهير، ومنهج متكامل لتنمية شخصية المسلم وأعطائه القدرة على أعادة تشكيل حياته الخاصة وحياة المجتمع المسلم داخل أطار القيم ألأسلامية وهذا المنهج له أهمية عظمى في تطويع حياة المجتمع من جميع جوانبها.
تركمان اربيل في رمضان
منذ قديم الزمان كان تركمان ألأربيليين يستقبلون هذا الشهر المبارك بالفرح والسرور والغبطة ومن العادات المحببة قديما الى يومنا هذا الأستعداد المبكر لأستقبال هذا الشهر العظيم خاصة أذا حل رمضان في فصل الشتاء، فالتركمان كانوا يتهيأون لجمع ذخيرة الشتاء من البرغل والحبية والبروش وكانوا يجففون أغلفة الخيار والترعوزي والشجر والباذنجان والفلفل ألأخضرالحاروالبامية كما كانوا يجففون أوراق العنب (ميو يابراغي)، ويضعون الجبن ألأبيض المالح في داخل الجرار الفخارية كما كانوا يحفظون لحوم البصمة والقاورمة في داخل الجرار الزرقاء القديمة.
وكانت من عادة بعض العوائل الميسورة تنظيف الصحون والصواني المعدنية عند الصفارين في قيصريات السوق، حتى ان قسماً من الناس غير المستقيمين الذين يمتلكون بقية من شعور ايماني يخلعون ثوب المعاصي وألأوزار لتقوى عزيمتهم ويظهر لديهم الحماس الديني ويندفعون بأقبال شديد نحوالطاعة والعبادة ويهجرون الذنوب ويتوبون توبة نصوحا ولا يرجعون الى سابق عهدهم بعد أن ذاقوا حلاوة ألأيمان. هذا ومدينة أربيل العتيقة مدينة السلطان مظفر الدين كوكبورومدينة العلماء والمشايخ الكاملين تلبس حلة زاهية خلال هذا الشهر المبارك حيث تفتح الجوامع أبوابها في أطراف الليل والنهار، والكل ينتظر أذان المغرب في المساجد والجوامع والكل يسعى لنيل رضى الله. وقبل ألاذان توضع علب التمور العراقية والحلويات والشربت في فناء الجوامع للأفطار وقديما أي حتى السبعيينيات من القرن الماضي عند أذان المغرب حين كنا أطفالاً صغاراً نصوم رمضان ونذهب للصلاة في مسجد الشيخ محمد العثماني النقشبندي الشهير بـ(الشيخ جولي). وكان الوجيه ألأربيلي المرحوم أحمد جلبي يتحمل مصاريف توزيع ألأكلات اللذيذة على المصلين في الجامع المذكورقبل ألأذان في كل يوم.
اهل الخير يوزعون أكلات الكباب والعروق والكبة والبقلاوة وأنواع أخرى من المأكولات على الصائمين، أما في البيوت ألأربيلية العامرة بالتقوى وألأيمان يزين سماطهم بألذ الأكلات التركامانية كالدولمة والتكمة والعروق والكبة وتمن أربيل و(بيلاوسوزماسي) وعصير البرتقال والزبيب والتمر والرطب والبقلاوة والحلقوم وخبزالتنورالشهي الخاص الذي يخبز فقط في هذا الشهر بالبيض والسمسم، وكل أفراد العائلة يجلسون على السماط بعد مجيء الوالد من المسجد ويفطرون على بركة الله.
ثم تكتظ الجوامع ثانية بالمصلين لأداء صلاة العشاء وبعدها صلاة التراويح وتتعالى اصوات ألابتهالات وألادعية من مآذن وأقبية الجوامع كدوي النحل ثم يلقي أمام الجامع الوعظ اليومي للحضور ثم تقرأ المنقبة النبوية الشريفة وتصدح أصوات المداحين في ألقاء القصائد والمدائح النبوية الشريفة باللغات العربية والتركمانية والكردية ثم تقرأ دعاء ختم المولد الشريف وتوزع الحلويات كالبقلاوة والحلقوم والبداملي والجكليت مع الشربت على الحاضرين.


الخبازون في رمضان
قديما كانت في محلة العرب أكثر من20 عائلة أربيلية لهم مخابز في البيت تخبز الخبز الشهي للسوق وكانت زوجات الخبازين يخبزن الخبز في البيوت وعند حلول شهر رمضان المبارك تخبز (كرصة) رمضان الدبل وتسمى باللغة التركمانية (أيمرطالي أكمك) وهوالخبز الذي يستخدم فيه صفار البيض مع السمسم، والجدير بالذكر أن هذا الخبز الشهي يخبز في بيوتات تركمان أربيل في محلة العرب ولآ زلت أذكر جدتي السيدة الفاضلة حليمة الشيخ يونس التي كانت تخبز أمام لهيب هذا التنور الحار وهي صائمة الى أذان المغرب وكانت رحمها الله أمرأة تقية وسخية وكل يوم في شهر رمضان توزع أكثر من60 قرصة خبز رمضان بالبيض والسمسم على جيرانها وأقربائها بدون أجر كصدقة لشهر رمضان، وحتى في أوقات السحور كن يخبزن الخبز الذي يباع من قبل رب ألأسرة في السوق.




لعبة سني زرف
هذه اللعبة من ألألعاب الشعبية التراثية للتركمان في أربيل والى يومنا هذا تزاول هذه اللعبة وتحتفظ بخصوصيتها في مقاهي أربيل، ولا شك أن للمقاهي القديمة في أربيل روادها من الشباب لمزاولة لعبة سني زرف الفلكلورية، فمقهى رشيد طورجي (الواقع قبالة باب القلعة) كان وحيدا بين المقاهي وروادها من المسنين وفي كل ليلة خلال شهر رمضان يجلس رجل يدعى بـ (سيد عبد سيد أسعد) على كرسي مرتفع في اعلى المقهى ويضع نظارة قديمة في عينه ويحمل كتابا قديما ويقرأ لهم قصة أسد الله الغالب ألأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقصة عنترة بن شداد العبسي أوحكاية أرزي قمبر أوآصلي كرم والحضارون يصغون لصوت هذا الرجل بكل شغف وأشتياق، وفي البداية يستهل كلامه بالصلاة والسلام على رسول الله وأهل بيته الكرام ويقول: (قوى بوكون دوناغ بني عبس ياننة باخاغ عبلية ية نة كلدي ,عنترين خبرى نة أولدو)، وكل يوم في موقع مشوق يقفل كتابه وينزع نظارته ويترك مجريات الحكاية ليوم غد، أما في مقاهي عبووعلي فليح ومقهى الحاج حمدي علي خان مقهى الحاج قادر ومقهى مجكوا تفرش ألأرض ويحضر بردات من الخام ويلصق الحلقوم في أطراف الصواني وتلمع11 زار من الحديد لبدأ التباري في (لعبة سنى زرف)، وتتبارى مجموعتين كل مجموعة متكونة من ثلاثة أشخاص ويحضر القلم والورق لكتابة النتائج ومن العادات الشائعة قديما في أربيل قراءة ألأغاني والقوريات، وخلال المباريات يوزع الشاي والبقلاوة والبيبسي على المشاركين وأحيانا يدعى فرق من كركوك والتون كوبرووطوز خورماتوالى أربيل للتباري في لعبة سني ظرف وعند قدوم الفرقة من الأماكن المذكورة يحلون ظيوفا أعزاء في هذه المقاهي وتبدأ المباراة بين أربيل وكركوك وكل طرف يحضر مجموعة من الطربين للتباري في قرأة القوريات والأغاني وأحيانا كانت الفرق من أربيل ترد الزيارة وتذهب الى كركوك للتباري والمقاهي تستمر فيه هذه اللعبة الى أن يحين وقت السحور وعندها يعود الناس الى بيوتهم لتناول السحور وأداء صلاة الصبح في المساجد.


ألعاب أطفال التركمان
لأطفال التركمان في اربيل لعبتهم الخاصة في ليالي شهر رمضان، فعند قدوم هذا الشهر يخرج ألاطفال في محلات السراي والطوبخانة والتكية في القلعة وفي محلات العرب والتعجيل وخانقاه الى ألأزقة ويلعبون العاب حلوة وجميلة كالتباري في الركض والسباق ولعبة الشرطي واللص وأحيانا تحمل مجموعة من ألأطفال علب الدهن الفارغة ويدقون على العلبة بالحجر ويرددون هذه ألأهزوجات التركمانية: (هيللي بيبرلي كيفتة، بيراما قالدى بير حةفتة)، أويقــولون (اوشاغلار كةلين أوينياغ، رمزان كيدرى قويمياغ).


رمضان اليوم في أربيل
في ألأونة ألأخيرة أنقرضت بعض العادات القديمة عند قدوم شهر رمضان في أربيل وذلك لأزدياد المستوى المعاشي للمواطنين وزيادة ألاسواق، لذا فالعوائل أصبحت في غنى عن خزن الذخيرة والمؤن لرمضان ولفصل الشتاء. ولا يقوم اغلب الناس بخزن أغلفة الخيار والبذنجان والشجر وأوراق العنب وألحاجيات ألأخرى لتوفر هذه المواد في كل فصول السنة في ألأسواق، فالعائلة ألأربيلية قبل عدة أيام من حلول رمضان تشترى أحتياجاتها من السوق والسوبر ماركيتات، أما بالنسبة لروحية ألأهالي عند استقبال هذا الشهر المبارك فلم تختلف في شيء حيث ترفع أصوات القراء في الجوامع ويعمر بيوت الله مع المصلين وتجلب الى المساجد أنواع المأكولات والحلويات من قبل أهل الخير للأفطار والعوائل ألأربيلية بيوتاتها عامرة ببركة الله عند ألأذان يمد سماط طويل في البيوت كل حسب أمكاناته وتركب ألأطعمة اللذيذة ويوضع على السماط أنواع الشربت والحلقوم البقلاوة وأكلات الدولمة والتكمة والعروق وغيرها مما قسم الله من نعمه على المسلمين، وفي صلاة العشاء تكتظ الجوامع بالمصلين وتقام صلاة التراويح بكل خضوع وخشوع، وبعد الصلوات والذكر تلقى المواعض على مسامع الحاضرين ثم تقام المناقب النبوية الشريفة وتقرأ القصائد باللغات الثلاثة والكل يرجون رحمة الله أما القهاوى والكازينوهات ألأربيلية القديمة في محلات العرب والتعجيل وخانقاه. تزاول اللعبة الفلكلورية التراثية القديمة(سينى زرف أيونو) وتتبارى الفرق طوال شهر رمضان في هذه اللعبة وخلال المباريات تصدح أصوات مطربي أربيل أمثال صدرالدن كورجي ويونس توتونجي وفؤاد شهاب وأزاد حلوب في قرآءة القوريات والكرم وألأغاني الفلكولورية ولا تزال فرق من التون كوبرووكركوك يزورون بعض المقاهي القديمة في محلة التعجيل للتبارى وزيادة أواصر ألأخوة بين ابناء مدن العراق.